الفصل التّاسع
الله يحقّق وعده لبني يعقوب
1 وإنّي أقولُ الحقَّ لَكُم وما أنا مِن الكاذِبينَ، لأنّي مُعتَصِمٌ بالسَّيّدِ المَسيحِ وضَميري على هُدى رُوحِ اللهِ. 2 إنّي حَزينٌ، وفي قَلبي ألَمٌ شَديدٌ بسَبَبِ بَني يَعقوبَ 3 أُمَّتي الّتي أنتَمي إليها. فأنا مُستَعِدٌّ أن أُحرَمَ عنِ السَّيِّدِ المَسيحِ وأنفَصِلَ عَنهُ فِدًى لأُمَّتي. 4 فبَنو إِسرائيلَ لهُم الحقُّ في الانضِمامِ لأهلِ بَيتِ اللهِ، وقد تَجَلَّى اللهُ لَهُم فقَدَّمَ إليهِم العُهودَ، والشَّريعةَ والعِبادةَ الحقَّ والوُعودَ. 5 وكانوا مِن نَسلِ الأنبياءِ الأوّلينَ، ومِنهُم يَنحَدِرُ السَّيِّدُ المَسيحُ. فليَتَبارَكِ المُتَعالي فَوقَ العالَمينَ إلى أَبَدِ الآبِدينَ، آمين.
6 فكُلُّ ما ذُكرَ لا يَعني أنّ اللهَ لا يَحفَظُ وَعَدَهُ لبَني يَعقوبَ، لأنّ مَن رَفَضَ رِسالةَ اللهِ مِن بَني يَعقوبَ لَيسَ مِنَ الأَخيارِ،
7 ولَيسَ كُلُّ الّذينَ يَنحَدِرونَ مِن النَّبيِّ إبراهيمَ هُم مِن وَرَثَتِهِ ومِن عِيالِ اللهِ. فالوَرَثةُ هُم الّذينَ حَصَلوا على وَعَدِ اللهِ. فقد أوحى إليهِم في التّوراةِ: “يا إبراهيمُ، مِن إسحَقَ يَنحَدِرُ الوَرَثةُ وبِهِم أُحَقّقُ وَعدي لكَ”.
* 8 وهذا الوَحي يَعني أنّهُ لَيسَ بالأصلِ البَشَريِّ نَنضَمُّ إلى عِيالِ اللهِ بل الّذينَ خَصَّهُم اللهُ بوَعَدِهِ هُم عِيالُهُ تَعالى.
9 فقد وَعَدَ اللهُ النَّبيَّ إبراهيمَ (عليه السّلام) على لِسانِ المَلاكِ بخُصوصِ إسحقَ فقالَ: “سأعودُ العامَ القادِمَ في مِثلِ هذا الوَقتِ، ويَكونُ لِسارَةَ ابنٌ”.
† 10 لقد اختارَ اللهُ إسحقَ مِن بَينِ أبناءِ النَّبيِّ إبراهيمَ، كَما اختارَ أحَدَ ابنَي إسحقَ، مَعَ أنّ زَوجتَهُ رِفقَةَ قد أنجَبَت توأمَين،
11 فقَبلَ أن يُولدا، ويَكونا مِن أهلِ الشّرِّ أو مِن أهلِ الخَيرِ، جاءَها وَحيُ اللهِ مُبَيِّنًا أنّهُ سيَختارُ بَعضَ النّاسِ حَسَبَ تَدبِيرِهِ تَعالى. نعم، يَختارُ اللهُ النّاسَ مِن قَبل أن يَفعَلوا خَيرًا أو شَرًّا،
12 وأَخبَرَ الوَحيُ رِفقَةَ أنّ أكبَرَ الأَخوينِ يَكونُ خادِمًا للصَّغيرِ،
‡ 13 واختارَ اللهُ يَعقوبَ دونَ أخيهِ العيصِ لِيُتَمِّمَ بِهِ مَقصَدَهُ. كَما قالَ تَعالى في كِتابِ النَّبِيِّ مَلاكي: “أَحبَبتُ بَني يَعقوبَ ورَفَضتُ بَني العِيصَ”.
§ الله يختار النّاس رحمةً للعالمين
14 فأيُّ مَعنى لكُلِّ هذا؟ إنّ اللهَ يَختارُ بَعضَ النّاسِ ويَرفُضُ البَقيّةَ، فهل هو بذلِكَ ظَلومٌ؟ كَلاّ، تَعالى اللهُ عن ذلِكَ عُلوًّا،
15 فقد قالَ تَعالى لنَبيِّهِ مُوسى: “إنِّي أَرحَمُ مَن أَشاءُ، وأُشفِقُ على مَن أَشاءُ”.
* 16 إنّ اللهَ يَختارُ النّاسَ لا وِفقَ رَغبتِهِم في هذا الاختِيارِ أو سَعيهِم إليهِ، بل يَختارُهُم اللهُ برَحمَتِهِ.
17 ولقد جاءَ في الكِتابِ قَولُهُ تَعالى لفِرعَون: “إنّي لهذا الغَرَضِ رَفَعتُكَ إلى عَرشِ مِصر: حَتّى يَتَبَدَّى فيكَ جَبَروتي ويُعَظَّمَ اسمي في العالَمينَ”.
† 18 فاللهُ يَرحَمُ مَن يَشاءُ، ويَجعَلُ مَن يَشاءُ مُتَعَنِّتًا.
‡ 19 ولِقائِلٍ مِنكُم أن يَقولَ: “إن كَتَبَ اللهُ على النّاسِ أن يَكونوا مؤمنِينَ أو كافِرينَ، فلماذا يَلومُهُم على أعمالِهِم؟”
20 فاسمَعوا جَوابي: أيُّها الإنسانُ، لا حقَّ لكَ أن تَعتَرِضَ على اللهِ! هل يَقولُ وِعاءٌ مِنَ الطِّينِ لِمَن صَنَعَهُ: “لماذا جَعَلتَني على هذِهِ الصُّورةِ؟”
§ 21 أَفَلَيسَ مِن حَقِّ عامِلِ الفَخَّارِ أن يَصنَعَ مِن الطِّينِ ما يَشاءُ، فيَصنَعَ مِن قِطعةِ الطِّينِ نَفسِها إناءً لغَرَضٍ رَفيعٍ، وآخرَ لغَرَضٍ وَضيعٍ؟
* 22 كذلِكَ شاءَ اللهُ أن يُظهِرَ غَضَبَهُ للنّاسِ، ويُعلِنَ قُدرتَهُ على العِقابِ، ولكنّهُ صَبورٌ حَليمٌ بهؤلاءِ المُتَعَنِّتينَ المَغضوبِ عليهِم، الّذينَ يَستَحِقّونَ الهَلاكَ.
23 أمّا نَحن فقد نِلنا رَحمةَ اللهِ لكي تَتَجَلّى عَظمةُ شأنِهِ وجَلالِهِ، فاللهُ قد هَيّأ لنا مُنذُ القَديمِ مَقامًا مَجيدًا،
24 باعتِبارِ أنّهُ اختارَنا مِن عِبادِهِ، لا مِنَ اليَهودِ فقط بل مِن سائِرِ الشُّعوبِ أيضًا.
25 كَما قالَ على لِسانِ النَّبيِّ هُوشَعَ: “الّذينَ لم يَكونوا مِن أُمَّتي سأَجعَلُهُم الآنَ مِن أُمَّتي، والّذينَ لم يَكونوا أَحبابي، سأَجعَلُهُم الآنَ أَحبابي”.
† 26 نعم، حَيثُ قالَ اللهُ للنّاسِ سابِقًا: “لَستُم مِن أهلِ ميثاقي” سيُخبِرُهُم الآنَ: “إنّا جَعَلناكُم مِن أهل بَيتِ اللهِ الحَيّ”.
‡ 27 أمّا بِشأنِ بَني يَعقوبَ فَقَد قالَ النّبيُّ أَشعيا: “حَتّى لو كانَ عَدَدُ بَني يَعقوبَ كَرَملِ البَحرِ، فلن يَنضَمَّ إلاّ قَليلٌ مِنهُم إلى النّاجينَ.
28 لأنّ اللهَ سيُنزِلُ حُكمَهُ عليهِم في الأرضِ حُكمًا سَريعًا حاسِمًا”.
§ 29 وكذلِكَ قالَ أَشعيا: “لو لم يَكتُب رَبُّ القُوّات أن يَنجو بَعضٌ مِن شَعبِنا، لأصبَحنا هالِكينَ كأهلِ مَدينتَيْ سَدومَ وعَمورةَ”.
* فشل عدد من بني يعقوب في إرضاء الله
30 فأيُّ مَعنى لِما ذَكَرناه؟ مَعناهُ أنّ هُناك مِن غَيرَ اليَهودِ أُناسًا لم يَسعَوا إلى مَرضاةِ اللهِ، ولكن عِندَما اعتَصَموا بسَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) نالوا مَرضاتَهُ بإيمانِهِم.
31 أمّا بَنو يَعقوبَ، فقد سَعوا إلى مَرضاةِ اللهِ مِن خِلالِ شَريعتِهِم، لكنّهُم فَشِلوا في تَمَسُّكِهِم بِها.
32 فلِماذا فَشِلوا إذَن؟ لأنّهُم لم يَعتَصِموا بِحَبلِ الإيمانِ، بل استَنَدوا إلى كَونِهِم مِن أَهلِ الكِتابِ، فعِندَما رَفَضوا الإيمانَ بسَيِّدِنَا عيسى، كانوا كمَن عَثَرَ بحَجَرٍ فسَقَطَ،
† 33 وهو ما أوحَى اللهُ بِهِ على لِسانِ النَّبيِّ أَشعيا: “ها أنا في القُدسِ أَضَعُ حَجَرًا يَجعَلُ النّاسَ يَعثُرونَ، بل صَخرةً تَجعَلُهُم يَسقُطونَ، ولا يَخيبُ كُلُّ مَن وَثِق بِهِ”.
‡