الفصل السّادس
1 ثُمّ حَدَّثَ (سلامُهُ علينا) أتباعَهُ قائلاً: “إيّاكُم والنِّفاقَ في عِباداتِكُم واحذَروا أن تَعبَدوا اللهَ مُراءَاةً للنّاسِ ليَمتَدحوكُم، إذ بهَذا لن يَكونَ لكُم ثَوابٌ عِندَ اللهِ أبيكُم الرَّحمنِ في عُلاه.
الصّدقة
2 فاجتَنِبوا أن تَمنَحوا صَدقاتِكُم جَهرًا، بل امنَحوها المُحتاجينَ سِرًّا ولا تَكونوا كالمُنافقينَ الّذينَ يُشهِرونَ صَدَقاتِهِم في بُيوتِ العِبادةِ وفي الشّارعِ رياءَ النّاسِ فيَكيلونَ لهُم المَديحَ. الحَقَّ أقولُ لكُم، ما لهؤلاء مِن جَزاءٍ إلاّ ما قد وَصَلَهُم مِن النّاسِ. 3 امنَحوا صَدَقاتِكُم سِرًّا فلا تَعرِفُ شِمالُكُم ما قَدَّمَت يَمينُكُم، 4 واللهُ أبوكُم الرَّحمنُ يَعلَمُ ما أسرَرتُم ويَمنَحُكُم الجَزاءَ الأوفى”.
الصّلاة
5 وأخبَرَهُم (سلامُهُ علينا) عن الصَّلاةِ فقالَ: “ولا تُصَلّوا صَلاةَ المُنافِقينَ الّذينَ يُقيمونَ صَلاتَهُم في دُورِ العِبادةِ وبينَ العامّةِ في الطُّرُقاتِ حتّى يَراهُم الجَميعُ. والحَقَّ أقولُ لكُم: لقد نالَ هَؤلاءِ أجرَهُم مِن النّاسِ ولَيسَ لهُم عِندَ اللهِ ذَرّةُ جَزاءٍ أو إحسان. 6 أمّا أنتُم يا أحبابي فأقيموا صَلاتَكُم في خُشوعٍ للهِ أبيكُم الرَّحمنِ في غُرَفِكُم مُغلِقينَ الأبوابَ لتَكونوا في مَنأى عن أَعيُنِ النّاسِ وعن ألسِنَتِهِم، فتَنالونَ ثَوابَ أبيكُم الرَّحمنِ عالمِ السِّرِّ والنَّجوى. 7 وعِندَ صَلاتِكُم، لا تَتَوجَّهوا إليهِ بعَقيمِ الكَلامِ المُكَرَّرِ كضما يَفعَلُ الوَثَنيّونَ الّذينَ يَحسَبونَ أنّهُ بكَثرةِ كَلامِهِم تُستَجابُ دَعواتُهُم. 8 نعم، لا تَكونُنَّ مِثلَهُم، واعلموا أنّ اللهَ أباكُم الرَّحمنَ مُطلِّعٌ على حالِكُم قَبلَ أن تَسألوا.
9 وإذا صَلّيتُم فصَلّوا على الوَجهِ التّالي قائلينَ:
“اللهُمَّ يا أبانا الرَّحمن في عُلاك،
تَباركَ اسمُكَ وتَقَدَّسَ،
10 لتَقُم مَملكتُكَ المَوعودةُ في الأرضِ،
ليَسعَ مَن في الأرضِ لمَرضاتِكَ كسَعْي مَن في السَّماءِ.
11 وارزُقنا قُوتَ يومِنا، 12 واغفِر لنا سَيئاتِنا
كَما نُسامحُ مَن أخطأ في حَقِّنا،
13 وجَنّبنا المِحنَ والبَلاء، ونَجِّنا مِن كَيدِ الشَّيطانِ الأثيمِ،
فَلَكَ وَحدَكَ المُلكُ والقُوّةُ والجَلالُ إلى الأبَدِ آمين”.
14 وتابَعَ (سلامُهُ علينا) قائلاً: “إن أنتُم صَفَحتُم عَمّا ارتَكَبَهُ النّاسُ في حَقِّكُم، فإنّ اللهَ أباكُم الرَّحمنَ يَغفِرُ لكُم آثامَكُم أيضًا، 15 وإلاّ فلن يَغفِرَ أبوكُم الرَّحمنُ خَطاياكُم”.
الصّوم
16 ثُمّ أضافَ (سلامُهُ علينا) يُرشِدُهُم عن الصّومِ قائلا: “واحذَروا أحبابي عِندَ صَومِكُم أن تَكونوا عابِسي الوُجوهِ كَما يَفعَلُ المُنافِقونَ الّذينَ يَصطَنِعونَ التَّعبَ ليَمتَدِحَهُم النّاسُ. والحَقَّ أقولُ لكُم، لقد نالَ هؤلاءِ النّاسُ أجرَهُم.* يوم الكفّارة هو اليوم المعيّن في التوراة للصيام من كلّ سنة، ولكن رغم ذلك فإنّ العديد من اليهود المتديّنين كانوا يصومون يومين في الأسبوع، كما يصومون في المناسبات الخاصّة للتعبير عن ندمهم وتوبتهم وخشوعهم وطاعتهم لله. وفي صيامهم يمتنعون عن الطعام والمتع الأخرى مثل دهن رؤوسهم وأجسامهم بالزيت لإبراز جفاف بشرتهم حتّى يكون صيامهم باديًا للعيان. 17 أمّا أنتُم فعِندَ صَومِكُم اغسِلوا وجوهَكُم وتَعَطَّروا، 18 كي لا يَبدوَ أثرُ الصّيامِ على وُجوهِكُم، فلا يَعلَمَ بذلكَ غَيرُ اللهِ أبيكُم الرَّحمنِ الّذي يَعلَمُ ما تُخفي الصُّدورُ فيَمنَحُكُم على إخلاصِكُم الأجرَ والثَّوابَ”.
الكنوز في السّماء
19 وتابَعَ (سلامُهُ علينا) يُذَكِّرُهُم قائلا: “احذَروا كُنوزَ الدُّنيا فهي آيِلةٌ للتَّلَفِ، مَوعودةٌ بالفَسادِ، مُعَرَّضةٌ لسَرِقةِ اللُّصوص، 20 ولكن ادَّخِروا لأنفُسِكُم كَنزًا عِندَ رَبِّكُم لا يَفنى، بَعيدًا عن التَّلَفِ، آمنًا مِن الفَسادِ، لا تَطالُهُ يَدُ اللُّصوصِ! 21 لأنّ رَغبةَ قُلوبِكُم مُوَجّهةٌ حَيثُما تَدَّخِرونَ كُنوزَكُم”.
القناعة والحسد
22 “وانتَبِهوا لعُيونِكُم فمِن خِلالِها يَنفُذُ شُعاعُ النُّورِ إلى باطِنِكُم، فإذا نَظَرتُم إلى الآخَرينَ وقد قنَعتْ نُفوسُكم بما لَدَيكُم، أضاءَ حياتَكُم نورُ الرِّضا. 23 وإذا نَظَرتُم إليهِم نِظرةَ حَسَدٍ، سَكَنَت الظُّلمةُ باطِنَكُم! وعِندئذٍ فأيُّ ظَلامٍ شَديدٍ على قُلوبِكُم تَتَخَبّطونَ فيهِ! 24 واعلَموا ألاّ أحَدَ يَقدِرُ أن يَخدُمَ سَيّدَين، وإلاّ كانَ في قَلبِهِ لأحَدِهِما حُبٌّ وللآخَرِ كُرهٌ، وسيَكونُ مُخلِصًا لهذا، مُهمِلاً لذاك. واعلَموا أن حُبَّ اللهِ لا يَكونُ في قَلبٍ يَسكُنُهُ حُبُّ المالِ”.
الاتّكال على الله
25 “فلا تَشغَلوا أنفُسَكُم بالخَوفِ على قُوتِ يَومِكُم، ولا على ما يَستُرُ أجسادَكُم، إنّ الحَياةَ أعظَمُ شأنًا مِن طَعامٍ تأكلونَهُ، والجَسَدَ أهمُّ مِن مُجَرَّدِ كِساءٍ تَلبِسونَهُ. 26 أفلا تَرونَ الطُّيورَ في السَّماءِ تَغدو جياعًا وتَعودُ شِباعًا وما زَرَعَت ولا حَصَدَت ولا خَزَنَت، وما ذلكَ إلاّ لأنّ اللهَ أباكُم الرَّحمنَ رازِقُها! وأنتُم عِندَ اللهِ أهمُّ مِنها وأكرمُ. 27 وأقولُ لكُم هل لأحَدِكُم، مَهما استَبَدَّ بِهِ القَلَقُ، قُدرةٌ على أن يَمُدَّ في عُمرِهِ ساعةً؟ 28 فكَيفَ تَقلَقونَ على لِباسِكُم؟ ألا فانظُروا إلى الزَّنابقِ بكِسائِها الّذي لم تَتعَب في حِياكتِهِ، 29 وتأمّلوا هذا الكِساءَ الّذي لم يَلبَسهُ أحَدٌ ولا حتّى النَّبيُّ سُليمانُ رَغمَ مَقامِهِ الجَليلِ. 30 فإن كانَ اللهُ يَكسو العُشبَ هذا الكِساءَ، ولَيسَ مَصيرُ العُشبِ الّذي يَنمو في الحَقلِ اليَومَ ويَنتَشِرُ بَهيًّا إلاّ أن يَكونَ غدًا وَقودًا، فكَيفَ بكُم؟ ألَيسَ اللهُ بقادرٍ على أن يَكسوَكُم يا ضُعفاءَ الإيمان؟! 31 فلا يَنشَغِلَنّ بالُ أحَدِكُم بأمرِ طَعامِهِ أو شَرابِه أو كِسائِهِ، 32 إنّ جَميعَ هذِهِ الأُمورِ مِن مَشاغِلِ الوَثَنيّينَ. إنّ اللهَ أباكُم الرَّحمنُ يَرعاكُم كَما يَرعَى الأبُ الحَنونُ أبناءَهُ، فهو أدرى بحاجاتِكُم. 33 فلْيَكُنْ سَعيُكُم في سَبيلِ مَملكتِهِ الّتي وَعَدَ بها ورِضوانِهِ، وسيَعطيكُم اللهُ ما طَلَبتُم ويَجودُ عليكُم أيضًا برِزقٍ. 34 فانظُروا في أُمورِ يَومِكُم واترُكوا الغَدَ إلى مَن لهُ الأمرُ، فلِكُلِّ يومٍ ما يَكفيهِ مِن المَتاعبِ”.
*الفصل السّادس:16 يوم الكفّارة هو اليوم المعيّن في التوراة للصيام من كلّ سنة، ولكن رغم ذلك فإنّ العديد من اليهود المتديّنين كانوا يصومون يومين في الأسبوع، كما يصومون في المناسبات الخاصّة للتعبير عن ندمهم وتوبتهم وخشوعهم وطاعتهم لله. وفي صيامهم يمتنعون عن الطعام والمتع الأخرى مثل دهن رؤوسهم وأجسامهم بالزيت لإبراز جفاف بشرتهم حتّى يكون صيامهم باديًا للعيان.