الفصل الرّابع عشر
ابن هيرودس يقتل النّبيّ يحيـى (عليه السّلام)
1 في تِلكَ الأثناءِ وَصَلَ إلى سَمعِ الحاكِمِ أنتيباسَ بِن هيرودُسَ* كان أنتيباس بن هيرودس أحد أبناء هيرودس الكبير. وعند وفاة هذا الأخير، تمّ تقسيم مملكته بين ثلاثة من أبنائه. كُلُّ ما يَتَعَلَّقُ بعيسى (سلامُهُ علينا) مِن أخبار، 2 فخاطَبَ حاشيتَهُ قائلاً: “هوذا يَحيى بِن زَكَريّا قد بُعِثَ حَيًا، ولهذا السَّبَبِ فهو يُجري تِلكَ المُعجِزات”. 3 وكانَ ابنُ هيرودُسُ قد قَتَلَ النَّبيَّ يَحيى (عليه السّلام) بَعدَ أن قَبَضَ عليهِ وألقاهُ في السِّجنِ مُقَيَّدًا تَحتَ تَحريضِ هيروديّة امرأةِ أخيهِ فيليبَ، 4 إذ كانَ النَّبيُّ يَحيى (عليه السّلام) يُعارِضُ زَواجَ الحاكِمِ مِنها، ويَقولُ لهُ: “لا يَحِلَّ لكَ الزَّواجُ مِنها!” 5 وكانَ الحاكِمُ قد نَزَلَ عِندَ رَغبةِ هيروديّة في قَتلِهِ (عليه السّلام) رَغمَ خَوفِهِ مِن النّاسِ الّذينَ اعتَبَروا يَحيى نَبيًّا. 6 فقد أقسَمَ الحاكِمُ لابنتِها بَعدَ أن رَقَصَتْ لهُ في عِيدِ ميلادِهِ 7 أن يُنَفِّذَ لها كُلَّ طَلَباتِها لأنّها أعجَبَتهُ. 8 فطَلَبَت بتَحريضٍ مِن أُمِّها قائلةً: “أُريدُ رأسَ يَحيى بِن زَكَريّا على طَبَقٍ هَديّةً مِنكَ”. 9 فاستَبَدَّ الحُزنُ بالحاكِمِ لهذا الطَّلَبِ، ولكنّهُ بَرًّا بقَسَمِهِ الّذي أقسَمَ بِهِ أمامَ الحاضِرينَ، نَزَلَ عِندَ طَلَبِها، 10-11 وأمَرَ برأسِ النَّبيِّ يَحيى فأُحضِرَ أمامَهُ على طَبَقٍ، بَعدَ أن قَطَعوهُ في السِّجنِ. فقَـدَّمَهُ الحاكِمُ للفَتاةِ، فأعطَتْهُ بدَورِها لأُمِّها. 12 فما كانَ مِن أتباعِ يَحيى (عليه السّلام) بَعدَ تِلكَ الجَريمةِ إلاّ أن أخَذوا جُثّتَهُ الشَّريفةَ لِدَفنِها، ثُمّ تَوَجَّهوا إلى عيسى (سلامُهُ علينا) لإخبارِهِ بما حَدَثَ.
عيسى (سلامُهُ علينا) يقوم بمعجزة إطعام 5000 رجل
13 وعِندَما سَمِعَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) بهذا الخَبَرِ، غادَرَ مَكانَهُ وصَعِدَ قارِبًا وتَوَجَّهَ إلى مَكانٍ مُنعزلٍ واختَلى بنَفسِهِ. إلاّ أنّ جُموعًا مِن النّاسِ سارَت على إثرِهِ مَشيًا على الأقدامِ فسَبَقوهُ بَعدَ أن عَلِموا بوِجهتِهِ. 14 وعِندَ وُصولِهِ (سلامُهُ علينا) إلى المَكانِ الّذي كانَ يَقصِدُهُ، نَزَلَ مِن القارِبِ فرأى الحُشودَ، فأخَذَ يَطوفُ عليهِم مُشفِقًا شافيًا مَرضاهُم. 15 وعِندَ حُلولِ المَساءِ أتى إليهِ أتباعُهُ قائلينَ: “قدِ انقَضى النَّهارُ ونَحنُ في هذا المَكانِ المُنعَزلِ، فهلاَّ تَصرِفُ هذِهِ الجُموعَ ليَذهَبوا إلى القُرى المُجاورةِ لشِراءِ ما يَحتاجونَ مِن طَعامٍ؟” 16 فأجابَهُم بقولِهِ: “لَيسوا في حاجةٍ إلى مُغادَرةِ المَكانِ، ولكنْ عليكُم أنتُم تَقديمُ الطَّعامِ لهُم”. 17 فأخبَروهُ قائلينَ: “لَيسَ لَدَينا مِن طَعامٍ سِوى خَمسةِ أرغِفة وسَمَكتَينِ”. 18 فقالَ: “ايتُوني بها”. 19 وعِندَما أتوهُ بها تَوَجَّهَ (سلامُهُ علينا) إلى الجُموعِ وأمَرَهُم بالجُلوسِ على العُشبِ ثُمّ تَناوَلَ أرغِفةَ الخُبزِ الخَمسةَ والسَّمَكتينِ ورَفَعَ بَصَرَهُ إلى السَّماءِ، حامِدًا اللهَ على فَضلِهِ وكَرَمِهِ، ثُمّ قَسَّمَ الخُبزَ وأعطاهُ لأتباعِهِ الّذينَ وَزَّعوهُ على النّاسِ، 20 فأكَلَ الجَميعُ وشَبِعوا. ثُمّ رَفَعَ أتباعُهُ ما تَبَقّى مِن كِسَرِ الخُبزِ الّتي مَلأتِ اثنَتَي عَشَرَة قُفّة. 21 وكانَ عَدَدُ الآكلينَ حَوالي خَمسةِ آلافِ رَجُلٍ، إضافةً إلى عَدَدٍ مِن النِّساءِ والأطفالِ.
معجزة سيره (سلامُهُ علينا) على وجه الماء
22 وأمَرَ سَيِّدُنا عيسى (سلامُهُ علينا) بَعدَ ذلِكَ أتباعَهُ برُكوبِ القاربِ نَحو الضِّفّةِ الأُخرى مِن البُحَيرةِ حتّى يَصِلوا قَبلَهُ. ثُمّ عَمَدَ إلى صَرفِ الجُموعِ، 23 وصَعِدَ إلى الجَبَلِ ليُصَلّي مُنفَرِدًا. وعِندَ هُبوطِ اللّيلِ، 24 كانَ القارِبُ الّذي رَكِبَهُ أتباعُهُ قد بَلَغَ وَسَطَ البُحَيرةِ، وكانَت الرِّيحُ مُعاكِسةً جَعَلَت الأمواجَ تَتَلاطَمُ وتَضرِبُ القارِبَ، 25 وقُبيلَ الفَجرِ أخَذَ عيسى (سلامُهُ علينا) يَمشي على وَجهِ الماءِ نَحوَهُم. 26 وعِندَما رأوهُ سائرًا فَوقَ الماءِ استَولى عليهِم الرُّعبُ وأخَذوا يَصرُخونَ خائفينَ قائلينَ: “هذا شَبَحٌ!” 27 ولكنّهُ (سلامُهُ علينا) خاطَبَهُم في الحالِ قائلاً: “هدّئوا مِن رَوْعِكُم! أنا عيسى فلا تَخافوا”. 28 فقالَ لهُ بُطرُسُ الصَّخرُ: “إن كُنتَ حقًا عيسى، فمُرني أن آتيَ إليكَ ماشيًا على وَجهِ الماءِ”. 29 فأجابَهُ (سلامُهُ علينا): “تَعالَ إليّ”. فغادَرَ صَخرُ القارِبَ مُتَوَجِّهًا إلى سَيِّدِنا عيسى (سلامُهُ علينا) سَيرًا على وَجهِ الماءِ، 30 ولكنّهُ ما إن تَنَبَّهَ إلى شِدّةِ الرِّيحِ حتّى استَبَدَّ بِهِ الخَوفُ، وبَدأ يَغوصُ في الماءِ فأخَذَ يَصرُخُ قائلاً: “أنقِذني يا مَولاي!” 31 فمَدَّ إليهِ (سلامُهُ علينا) يَدَهُ وانتَشَلَهُ قائلاً: “يا ضَعيفَ الإيمان، لِمَ شَكَكتَ بي؟!” 32 وبَعدَ صُعودِهِما إلى القارِبِ سَكَنَت الرِّيحُ، 33 فانحَنى لهُ أتباعُهُ قائلينَ: “إنّكَ حَقًا الابنُ الرُّوحيّ للهِ!”
عيسى (سلامُهُ علينا) وشفاؤه للكثيرين من المرضى
34 ومَضَى بِهِم القارِبُ عَبرَ مِياهِ بُحيرةِ طَبَريّا وُصولاً إلى جَنْسَرْتَ على شاطئ الشِّمالِ الغَربي للبُحَيرةِ، 35 عِندئذٍ عَلِمَ أهلُ تِلكَ المِنطقةِ بخَبَرِ وصولِهِ (سلامُهُ علينا)، فأخَذوا يَنشُرونَ الخَبَرَ في جَميعِ الأنحاءِ، ووَفَدَ الجَميعُ حامِلينَ مَرضاهُم إليهِ، 36 مُتَوَسِّلينَ عَلَّهُ يَجودُ عليهِم حتّى بلَمسِ طَرَفِ ثَوبِهِ، فكانَ كُلُّ مَن يَلمَسُهُ يُشفى.
*الفصل الرّابع عشر:1 كان أنتيباس بن هيرودس أحد أبناء هيرودس الكبير. وعند وفاة هذا الأخير، تمّ تقسيم مملكته بين ثلاثة من أبنائه.